حظي موضوع التربية والتعليم باهتمام العلماء قديما وحديثا، فصنفوا فيه العديد من التصانيف القيمة، والمؤلفات النافعة؛ التي تدل على انخراطهم في بناء المنظومة التعليمية وحملهم همّ إصلاحها، ونذكر من هذه الكتب على سبيل المثال كتاب آداب المعلمين لمحمد بن عبد السلام المشهور بسحنون (ت256هـ)، والرسالة المفصلة لأحوال المتعلمين وأحكام المعلمين والمتعلمين، لأبي الحسن علي بن محمد القابسي (ت403هـ)، وجامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله، لأبي عمر يوسف بن عبد البر النمري القرطبي (ت463هـ)، والجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، للخطيب البغدادي (ت463هـ)، وتذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم، لبدر الدين ابن جماعة (ت733هـ) وغيرها كثير.
والكتاب الذي بين أيدينا أحد المصنفات المهمة في هذا الباب، وهو كتاب كثر تداوله في المغرب منذ أن فرغ منه مؤلفه أواخر القرن الثاني عشر الهجري سنة (1184هـ)، وبالرجوع إلى واقع التعليم وحال الفقهاء في زمن المؤلف نجد نضوبا في الفكر الاجتهادي، وانكباب الفقهاء إلاَّ من استثني على المختصرات والمنظومات التعليمية، وبعض الشروح، والحواشي، والتقريرات، يقتصرون في الأغلب عليها ولا ينطلقون للبحث في غور المصادر الأصيلة والرجوع إلى الأمهات، كما أنهم غلبوا دراسة الفقه واللغة على علوم أخرى جليلة كعلم التفسير والحديث، وفي ظل هذا الوضع انتشرت سلوكات تعليمية منافية لأحكام العلم وآدابه المعروفة، مما حدا بالمؤلف إلى تأليف كتابه هذا بطلب من بعض أحبائه كما يذكر ذلك في المقدمة متوخياً بتصنيفه انبعاث النفوس إلى طلب العلم وتحصيله، ومستهدفاً الحث على المسارعة في طلب العلم، وبذل الوسع في تحصيله، والتحلي بآدابه.
وبالجملة فالدرس الذي نستخلصه ونحن نضع الكتاب في سياقه المعرفي والزمني أن موضوع التعليم، وإصلاح مناهجه، وصيانته من العطب، موضوع حيوي متجدد في تراثنا الإسلامي، تجب إثارته ومعالجته من حين لآخر؛ لرفع الجهل عن الأمة، وتذكيرها بوجوب صمودها في مصاف الأمم العالمة والمتقدمة.